الحرب البيولوجية

468x60

قد تدور حروب طاحنة تفتك بملايين البشر دون أن تسمع لها أي صوت لطائرات أو دبابات، حروب تدور في هدوء تام وتقضي على الكثير من البشر دون أن ترى قصفاً بالصواريخ ومع ذلك يسقط فيها الكثير من الضحايا، ضحاياها بالملايين وأسلحتها رخيصة جداً إلا أن تكلفة خسائرها لا تقدر بثمن، فأي شيء أكبر خسارة في الحروب من فقدان القوة البشرية المحركة!
عندما نطلق مصطلح حرب بيولوجية، فإننا نعني بذلك حرباً يتم فيها استخدام الأسلحة البيولوجية، وهي أسلحة تصنع من السموم أو الكائنات الدقيقة كالفيروسات والبكتيريا والفطريات أو أي وسيط حيوي يمكنه إلحاق الضرر، ويتم توجيه هذه الأسلحة نحو الإنسان أو الحيوان أو النبات لنشر الأمراض والأوبئة والسموم بين صفوف العدو لإضعاف القوة البشرية والقضاء عليها. ولا تقل الأسلحة البيولوجية خطورة من الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة النووية، فهي مصنفة من أسلحة الدمار الشامل المحظورة دولياً. وتجدر الإشارة أنه في عام 2013 بلغت التوقيعات على اتفاقية الأسلحة البيولوجية حوالي 180 توقيع من مختلف الدول، وهي اتفاقية بدأ العمل عليها منذ 1972 وتنص على تحريم تطوير وإنتاج وتخزين وتداول واستخدام الأسلحة البيولوجية في الحروب، وعلى الرغم من ذلك لاتزال هناك دول تحتفظ بمخزونها من هذه الأسلحة وتعمل على تطوريها للحصول على أسلحة استراتيجية أرخص قادرة على إحداث الكوارث.
هناك العديد من الكائنات الدقيقة والسموم التي يمكن أن تستخدم كأسلحة، وتختلف قوة السلاح باختلاف الوسيط المستخدم، وكذلك فترة الحضانة للمرض وطريقة العدوى والاستقرار، بالإضافة إلى المقدرة على مقاومة اللقاحات والأدوية المتاحة في المنطقة المستهدفة، فعلى سبيل المثال تستخدم بكتيريا وحيدة الخلية لنشر أمراض مثل الجمرة الخبيثة والحمى المالطية والطاعون، وكذلك تستخدم الفيروسات وهي ذات حجم أصغر مائة مرة من البكتيريا، وتسبب أمراض مثل التهاب الدماغ، أما الفطريات الضارة فيتم توجيهها نحو المحاصيل لإحداث أضرار مثل تفحم القمح وآفة البطاطا. وأما السموم فيتم استخراجها من الثعابين والحشرات والعناكب أو تحضيرها معملياً. ويمكن توجيه هذه الأسلحة عن طريق نشرها في الهواء أو باستخدام الطائرات أو بإلقائها في مصادر المياه.
لا يعتبر استخدام الأسلحة البيولوجية حديثاً، فقد استخدمها الإنسان قديماً في حروبه، كأن يتم تسميم مياه الشرب التي يستقي منها العدو، أو إلقاء الجثث المصابة في معسكرات الخصم، ورغم بدائية هذه الطريقة إلا أنها فتاكة خاصة إذا لم تكن هناك آلية لمواجهتها والحد من انتشار المرض. وحديثاً استخدمت الأسلحة البيولوجية في الحرب العالمية، حيث كانت ولاتزال هناك معامل خاصة بتطوير الأمراض والأوبئة، وقد استخدم البريطانيون والأمريكان سابقاً الأسلحة البيولوجية في جنوب شرق آسيا لتدمير المحاصيل والغابات التي توفر ملجأ لقوات العصابات، وقد كانت هناك معامل في المملكة المتحدة خاصة بتطوير الأمراض وكان يدفعها “ونستون تشرشل” Winston Churchill، وعندما دخلت الولايات المتحدة للحرب مع بريطانيا حرصت بريطانيا على إنشاء برنامج مماثل في أمريكا، وكانت هناك توجهات لإنتاج كميات كبيرة من جراثيم الجمرة الخبيثة والحمى المالطية والسموم، ولكن الحرب قد انتهت قبل استخدام هذه الكميات. أما في اليابان فقد كانت هناك أيضاً معامل لتطوير أمراض قاتلة، وأجريت الكثير من الاختبارات على السجناء وبطريقة عشوائية وكان من المخطط استخدامها ضد الولايات المتحدة، إلا أن اليابان استسلمت قبل أن يتم ذلك. أما الاتحاد السوفيتي فقد كان يمتلك أيضاً برنامجاً ضخماً لتطوير هذه الأسلحة. والآن مع تطور علم الهندسة الوراثية بات الأمر أكثر خطورة من قبل، ويشهد على ذلك ظهور أمراض لم تكن موجودة من قبل، بل ونجد أن الفيروسات المطورة حديثاً أصبحت تمتلك مقدرات لا تتوفر في أسلافها. وفي المقابل نجد أن الدول التي تطور هذه الأمراض نفسها تعمل على الاستعداد المستمر لها باستخدام الأقنعة العازلة والإجراءات الوقائية واللقاحات، فعلى سبيل المثال تمتلك الولايات المتحدة أطناناً من اللقاحات، فهي تمتلك ما يكفي من لقاح الجدري لتطعيم كافة سكان الولايات المتحدة، ومن لقاح الجمرة الخبيثة ما يكفي على الأقل لتطعيم كل عضو في الجيش الأمريكي، ولكن هناك الكثير من الأمراض التي لا يتوفر لها لقاح، أو على الأقل غير معلن عنه، ومع ذلك قد توجد أدوية تساعد المرضى على التعافي.
ويتفق العالم أنه من الحكمة عدم استخدام مثل هذه الأسلحة، فانتشار الأوبئة والأمراض يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير الدولة التي أنشأت السلاح، إلا أن هناك أمراض يمكن التحكم بها كالجمرة الخبيثة التي يمكن توليد البكتيريا المسببة لها في مكان عادي باستخدام معدات معملية متاحة، وبتكلفة رخيصة لا تتعدى 2,500 دولار، ما قد يشجع أي دولة على امتلاك سلاح بيولوجي كهذا وهو أمر جد خطير، ويبقى القرار في النهاية بيد الحكومات ومراكز اتخاذ القرار، فقد تصدر قرارات خاطئة تؤدي لهلاك العالم… عافانا الله وإياكم.
لمزيد من المعلومات:
1   2
فاصل 1

فاصل 1

مقالات أخرى:

468x60
معلومات عن التدوينة الكاتب : Unknown بتاريخ : الاثنين، 24 أغسطس 2015
المشاهدات :
عدد التعليقات: 0، للإبلاغ عن رابط معطوب اضغط هنا
250x300
تعليقات الفيس بوك
0 تعليقات بلوجر

من الرائع ان تشاركنا تجربتك ورأيك، من فضلك لا تستخدم أي كلمات خارجة، روابط لا علاقة لها بالموضوع لانه سيتم حذفها فوراً.
وتذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"

شكرا لتعليقك
مدونة دليلي
عرب ويب