الأطراف الاصطناعية

468x60

ظهرت حاجة الإنسان منذ القدم لما يعوض عن أطرافه عندما يفقدها، فهو أمر قد يحدث جراء العديد من الأسباب، سواء كانت بسب مواجهته للحيوانات المفترسة أو بسب الكوارث الطبيعية والأمراض، أو نتيجة أفعال البشر فيما بينهم، وكان لابدّ من تدارك الأمر بطريقة أو بأخرى، فمن خلال قطعة اصطناعية يمكن تغطية مكان الفقد بسهولة، ولكن تختلف هذه القطعة الاصطناعية في شكلها ومدى قدرتها باختلاف العصور، فقديماً كانت هناك أشياء بسيطة تفي بالغرض، ولكنها لم تعد تستخدم الآن في عصر السليكون الذي غزا العالم بكل استخداماته.
ترجع هذه القطعة الأثرية إلى حقبة “الأسرة الحديثة” (نسبياً) التي حكمت مصر القديمة من عام 1550 إلى 1077 قبل الميلاد، ويظهر أنها أصابع أقدام اصطناعية مصنوعة بإتقان، وهذه دلالة على أن فكرة محاكاة الأطراف قديمة عند الإنسان، ولكن ربما تم استخدامها للزينة وليس لغرض طبي. وقد ذكرت الأطراف الاصطناعية أيضاً في التاريخ اليوناني؛ حيث تعرض لها المؤرخ اليوناني هيرودوت في قصة عراف يوناني قطع رجله للهروب من خاطفيه، واستبدلها بأخرى خشبية.
وفي العصور الوسطى تم استخدام الأطراف الاصطناعية؛ وكانت تصنع من الحديد والفولاذ والنحاس والخشب. أما في القرن العشرين، فقد أصبحت هذه الأطراف عملية بصورة أكبر، بحيث تمكن أحد الأشخاص مبتوري اليد أن يستخدم يده الاصطناعية ليرفع قبعته ويقدم نفسه للناس بالتحية.
أما الأقدام والسيقان، فقد صارت يمكن تثبيت وضبط حركتها لتلائم المشي، مع إمكانية قفل لحركة مفصل الركبة، وظهرت العديد من الأفكار لتطوير هذه الأطراف قبل بداية العصر الحديث، كما صار الإنتاج بكميات تجارية من خلال مصانع، وأصبحت عملية البتر نفسها تتم بما يتوافق مع الطرف الذي سيتم تركيبه؛ فإذا كان الطرف ساقاً، تكون عملية البتر تحت الركبة دون الفخذ، فهذا يتيح إمكانية أفضل عند الحركة باستخدام الطرف الجديد. وظهرت كذلك أطراف مصنوعة من الألمونيوم لأول مرة، وهي أخف وزناً بكثير من الأشكال السابقة. واهتمت الحكومات بعد الحرب العالمية الثانية بهذه الأطراف لما ظهر من حاجة ماسة لها ضمن نتائج الحروب المعتادة، وبدأ تمويل حكومي لمراكز البحث والتطوير التي تعمل في هذا المجال.
في الثمانينيات بدأت ثورة في تصميم الأطراف الاصطناعية وكيفية تركيبها على المصاب بحيث تتناسب معه تماماً ويتوزع الحمل على الجسم بصورة مريحة. أما في التسعينيات فقد أدخلت لأول مرة المعالجات الدقيقة للتحكم بالأطراف، وتقوم هذه المعالجات بتفسير سلوك الأعصاب في الجسم وتنقله للطرف الصناعي في شكل إشارات كهربائية تنتج عنها حركة فعلية. وقد انتشرت بصورة تجارية وبدأت الأطراف تأخذ طابعاً إلكترونياً يجعل منها تبدو أقرب للحقيقة عند مقارنة الحركة، كما أدخل أيضاً التحكم الهيدروليكي والهوائي للتخلص من المجهود الذي كان يبذل عند التحريك.
أما في الوقت الحالي مع ثورة علم المواد والتصنيع بمساعدة الحاسوب، أصبحت تصنع هذه الأطراف بدقة متناهية يمكن أن تصل إلى واحد مايكرومتر، وأصبح التصميم يتم من خلال برامج حاسوب متخصصة مما يتيح إجراء العديد من الاختبارات على القطعة وهي في مرحلة التصميم للتأكد من أنها تتحمل الوظيفة المحددة لها، بعد ذلك يتولى التصنيع ماكينات مبرمجة تعمل بدقة عالية تنتج عنها قطعة مطابقة لقياسات القطعة الحقيقية، وهو أمر غاية في الأهمية خاصة بالنسبة للمفاصل الاصطناعية؛ لأن أخطاء القياسات تؤثر على حركة الجسم عند تركيب المفصل. كما تم التخلص من الوزن باستخدام مواد خفيفة للتصنيع كالبلاستيك، أو ألياف الكربون التي تسمح بوزن أخف وقوة أكبر.
ومن الناحية الجمالية، كان لابدّ من تغطية هذه الأجهزة بشيءٍ من الأناقة، ويتم ذلك من خلال عدة طرق، فأبسط الطرق تكون من خلال الملابس، كالجوارب والأحذية وغيرها، أما إن كانت القطعة الاصطناعية داخلية فالجسم يتكفل بذلك. وحديثاً يتم استخدام مواد مرنة لإنتاج جلد اصطناعي يبدو في هيأة مشابهة للجلد الحقيقي بدرجة كبيرة، فقد بات الأمر ممكناً باستخدام مواد كالسيليكون ومادة “بولي فينيل كلوريد” والتي تعرف اختصاراً PVC. ويذهب الأمر لأبعد من ذلك، حيث يمكن طلب جلد اصطناعي مطابق لبشرة المصاب؛ فمثلاً إذا تم تركيب يد اصطناعية يمكن طلب جلد لهذه اليد يحمل أدق تفاصيل اليد العادية مثل الشعر والنمش والتجاعيد، وشكل العروق، وحتى البصمات! إلا أن ذلك يتبعه الكثير من المال.
كانت الأطراف الاصطناعية في الماضي مجردة من الإحساس، ولكن تم ادخال بعض التعديلات إليها فيما بعد ليتفاعل معها المستخدم، ويستطيع الإحساس بالقوة التي يبذلها باستخدام اليدين الاصطناعيتين من خلال عملية التغذية المرتجة feedback ولكنها لا تزال محدودة الإحساس. وحديثاً في نهاية عام 2014 تم الكشف عن جلد اصطناعي تم تطويره بواسطة فريق بحث كوري جنوبي -أمريكي، ويمكن لهذا الجلد الإحساس باللمس والضغط والرطوبة، وهذا مبشر بجيل أفضل من الأطراف الاصطناعية ينبض بالحياة. ومن ناحية أخرى نجد أن التحكم بالأطراف يسلك طرقاً جديدة؛ فمن خلال ما يسمى بواجهات الدماغ الحاسوبية صار بالإمكان التحكم بالآلات من خلال التفكير، عن طريق ربط أسلاك مع الدماغ يمكنها التقاط الإشارات وتفسيرها في شكل حركة واقعية. فهذه الأشياء مجتمعة قد تؤدي إلى أجهزة آلية يمكنه أن تعوض عن الأجزاء المفقودة بشكل أفضل.
بعد أن كانت الإعاقة هاجساً يمنع المشاركة في كثير من النشاطات، فتحت الأطراف الاصطناعية الباب على مصراعيه لهذه الفئة من المجتمع وبات بإمكانهم المشاركة في تحديات صعبة لم تكن متاحة لهم من قبل، فمن خلال أطراف مخصصة للرياضة يمكن الحصول على أقدام تتحمل أكثر من الأقدام الصحيحة، حتى ذهب البعض إلى فكرة استبدال الأطراف الصحيحة بأخرى اصطناعية لاكتساب قوة خارقة! ولكن مثل هذه التطبيقات التكنلوجية يصحبها الكثير من الجدل في الأوساط العلمية. ولا ندري ماذا يخبئ لنا المستقبل!
فاصل 1


فاصل 1
468x60
معلومات عن التدوينة الكاتب : Unknown بتاريخ : الخميس، 2 يوليو 2015
المشاهدات :
عدد التعليقات: 0، للإبلاغ عن رابط معطوب اضغط هنا
250x300
تعليقات الفيس بوك
0 تعليقات بلوجر

من الرائع ان تشاركنا تجربتك ورأيك، من فضلك لا تستخدم أي كلمات خارجة، روابط لا علاقة لها بالموضوع لانه سيتم حذفها فوراً.
وتذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"

شكرا لتعليقك
مدونة دليلي
عرب ويب