تعرف بالصور على حياة النمل العجيبة

عندما تسقط قطعة صغيرة من الخبز على الأرض، فإنها لا تمر عليها دقائق إلا وتجد سرباً من النمل يتعاونون على تفتيتها ونقلها إلى مستعمرتهم، ترى جيشاً جراراً يعمل بنظام ونشاط وجدّ متواصل دون كلل أو ملل. إنها حياتهم التي اعتادوا عليها داخل منازلنا أو حتى خارجها، ولكننا في الغالب لا نهتم بهذه المخلوقات وتفاصيل عيشها ونسعى للتخلص منها، فقليل من مبيد حشري فعال يكفي لدمار مستعمرة بأكملها من هذه الحشرات، إما إذا كنت من المهتمين بحياة هذه الكائنات البسيطة، فهذه فرصة لتعرف أكثر عن كائنات تمثل 15-25% من الكتلة الحيوانية الحية على اليابسة.

يعد النمل من المخلوقات الاجتماعية جداً، فهو يعيش في شكل مستعمرات تسكن المستعمرة (قرية النمل) في جحر واحد، هذا الجحر يمثل المأوى والعش لهذه المملكة التي قد تتراوح في حجمها من بضع عشرات الأفراد إلى ملايين الأفراد، وتحتوي المملكة على ذكور وإناث يمثلون الجنود والعمال، بالإضافة إلى أنثى لوضع البيض وهذه الأنثى هي الملكة، وقد تكون هناك عدة ملكات في العش الواحد، بينما تعيش جماعات من النمل بدون ملكة، فالنمل من الأنواع التي لها قدرة عل التكاثر العذري، بحيث تمتلك الأنثى المقدرة على الإنتاج دون التزاوج.

يعتمد النمل كثيراً في حياته على التواصل باستخدام الفيرمونات pheromones وهي مواد كيميائية تمثل رسائل تواصل وتحذيرات يمكن فهمها من قبل جميع أفراد المستعمرة، وتمتلك الملكة المقدرة على إنتاج مادة فرمون موحدة لجميع أفراد العش وهو ما يحافظ على المملكة واستمرار العمل، وعند موت الملكة تحدث خلخلة في نظام العمل بسبب ضعف التواصل بانتهاء المادة الموحدة. ويستخدم الفرمون أيضاً لفحص النمل الغريب عن المجموعة، فإذا أرادت نملة غريبة الدخول للمملكة فمن السهل على أفراد المجموعة معرفتها من خلال فحصها وتحديد هويتها، فإذا كان ذكراً يريد التزاوج مع الملكة، فإنه يطلق فرمون التزاوج عن الدخول، ويتم تفسير هذه الرسالة مباشرة من الحراس، ومن ثم يتم نقله مباشرة إلى الملكة، وفيما عدا ذلك فإن الحراس يقومون بوضع علامات فرمونية على الحشرة المعتدية حتى تتم مهاجمتها وقتلها من قبل بقية النمل عند قراءه هذه الرسالة التحذيرية! ويستجيب النمل لهذه الرسائل الكيميائية بصورة غريبة، ففي احدى التجارب العلمية تم صبغ احدى النملات بمادة الفرمون الذي يفرزه النمل عند موته، وبصورة تلقائية قامت بقية النملات بإخراجها من العش رغم أنها حية! فقط لأن الأوامر الكيميائية تنص على ذلك.

تبدأ حياة النملة من بيضة تفقس ضمن عدد هائل من البيوض تضعها الملكة، فإذا كان البيض ناتج دون عملية تخصيب، فالنمل الذي يخرج منه يكون إناثاً وهو ما يشكل معظم أفراد المستعمرة، أما البيض الناتج عن التخصيب فإنه يفقس ذكوراً، وبعد أن يفقس البيض تخرج يرقات فيتم تغذيتها بغذاء سائل يتم تحضيره من قبل النمل البالغ، وبعد أن تنمو وتتقدم في العمر يمكن بعد ذلك اطعامها من فتات الحبوب والغذاء الصلب الذي يتم تجميعه، وتمر النملة بعدة مراحل حتى تصل طور النملة اليافعة، وفي أثناء هذه الفترة تلقى العناية اللازمة داخل العش من قبل العائلة بما في ذلك درجة الحرارة المناسبة للنمو السليم.

وتعتمد قيمة غذاء النمل على نوعيته، فالعمال يختلف طعامهم عن الملكات، إذ أن جسم الملكة مهيأة لإخراج جيل جديد ووضع عدد هائل من البيوض خلال حياتها التي قد تصل في بعض الأنواع إلى 30 عاماً، بينما يعيش بقية الأفراد من 1-3 أعوام ويكون النمل نشطاً طوال هذه الفترة في المناطق المدارية، بينما ينخفض نشاطه في مع حلول الشتاء في المناطق الباردة.

وبعد خروج النملة من العش إلى العمل خارج المستعمرة، فإنها تعتمد على الخبرات السابقة في المجموعة، حيث يكون هناك قائد يعلمهم طرق البحث عن أماكن الطعام وإخبار البقية، وتعرف طريقة تعلم النمل بأنها طريقة تفاعلية، فتجد القائد يتأخر إذا كان من معه يتباطؤون في السير، ويسرع إذا أحس أنهم قريبون منه وأثناء هذا التجوال قد تكون هناك مجموعة رابحة عادت بالكثير من الطعام إلى القرية فتكون أكثر حماساً في المرة القادمة، بينما هناك من لا يحالفهم الحظ، وإذا تكرر هذا الحظ السيئ معهم فإنه قد تبقى هذه المجموع في العش وتتفرغ لرعاية الصغار، فهذا أنسب لهم.

وعندما يزداد التكاثر داخل القرية، فإنه ينتقل البعض لبناء عش جديد وتكوين مستعمرة منفصلة، ويمتلك النمل العديد من النماذج الهندسية المعقدة لبناء المستعمرات حسب نوعه ومنطقته، ويستخدم أوراق الأشجار أو التربة في عملية البناء، وقد يلجأ لنحت تجاويف على المباني أو استخدام تجاويف جاهزة، وفي كل الأحوال يجب اختيار مكان العش بعناية، ومن الملاحظ أن النمل يتجنب الأماكن التي يكثر فيها النمل الميت، فهذا دليل على وجود أحد مهددات النمل في المنطقة، كما أنه يختار كذلك مواد البناء التي تحافظ على درجة حرارة ثابتة نسبياً داخل العش للحفاظ على صحة نمو اليرقات في المستقبل، وعند البناء يتم مراعاة التهوية ودرجة الرطوبة وما يرتبط بذلك من نشاط ميكروبي، فقد يعتمد النمل في غذائه على ما تقوم به بعض الفطريات من نشاط تحليلي.

يتعايش النمل مع غيره من الكائنات بعلاقات مختلفة ويتكافل مع غيره من الحشرات والنباتات والفطريات، فهو يعتمد على النباتات كما أن بعض النباتات تحتاج إليه في بقائها، وذلك لأنه يحافظ على بذورها وينقلها إلى بر الأمان، وأحياناً تقوم بعض الحشرات باستغلال النمل، فعلى سبيل المثال هناك يرقات فراشات من عائلة Lycaenidae تخدع النمل بافراز فرمون يجعل النمل يتصرف كما لو أنها يرقة نملة، فيقوم باصطحابها داخل العش، وعندها تكون قد نجحت الخدعة، فتبدأ بالتهام يرقات النمل داخل العش.

تعج حياة النمل بالكثير من التفاصيل التي نجهلها، فهي حياة تستحق المشاهدة عن كثب، لأنها تحكي بعمق عن أحد الكائنات المثابرة، كائنات تعيش في أقسى الظروف المناخية، وتعمل باستمرار لادخار غذائها، إنها حقاً مثال رائع!!