الوسواس القهري

468x60

الوسواس القهري




لا تستغرب إن وجدت شخص يقوم بتكرار غسل يديه مرارًا بصورة غريبة، وإذا سألته عن ذلك يتحجج بأنه يريد فقط التأكد من نظافتها ولكنه يستغرق وقت طويل جدًا في هذه العملية، ولا يتوقف عند هذا الحد بل تجده يكرر سائر أفعاله بصورة رتيبة، فيتوضأ أكثر من مرة في جلسة واحدة دون أن ينتقض وضوؤه، ويكرر صلاته بحجة أنّ الأولى كانت سريعة أو أنه شك في قراءته. وحتى في حياته اليومية تجده يشغل ذهنه بأشياء مثيرة للشكك، فعند إغلاقه للباب يرجع بعد أن تقدم عدة خطوات ليتأكد أنه قد أغلقه بإحكام، وقد يفتحه ثم يغلقه مرة أخرى ليجعل عملية الإغلاق محكمة!
وقد يهتم برتيب الأشياء بعناية، فتجده مرتب جدًا إلى درجة الوسوسة، فيقوم بترتيب الأشياء دون معنًى، فتجدها جميعًا على استقامة واحدة فقط لأنها تضايقه إذا كانت غير مرتبة. وقد يبدأ الأمر كتسلية ولكنه يتطور حتى يصبح أمر قهري وكأن الشخص مجبر على ذلك، وبالرغم من أنّه مقتنع تمامًا بسخافة ما يقوم به، إلا أن له دوافع داخلية يتصور أنها تجبره على عمل ذلك ولا يستطيع التخلص منها لأن الفكرة تتردد في رأسه قهريًا.
هناك من يتعايش مع الوسواس لسنوات، ولكن الأمر إذا تطور يصبح ذو خطورة بالغة، فالشخص الذي يعاني من الوسواس تجده يبتعد عن الأشياء التي تولد له الوساوس، فيتجنب ملامسة الأشياء التي يلمسها الناس كأبواب المراحيض لأنه يشك في نظافتها، أو يرتدي قفازات للتعامل معها، فتجده يضع الكثير من القيود لنفسه كي لا يثير الوسوسة، وقد يصل هذا الأمر حد الاكتئاب، أو الاضطراب النفسي، مما يدفعه أحيانًا لنتف جلده أو هز رأسه بشدة بسبب الضغط النفسي الذي يتعرض له.
ولا تعتقد أن هذا نوع من الجنون أو الاختلال العقلي، فالشخص المصاب بالوسواس هو شخص عادي، وقد يكون ذو مكانة اجتماعية راقية، وربما يكون أحد أصدقائك، ولكنك لم تنتبه إلى ذلك لأنه يقوم بهذه الأفعال دون أن يراه أحد أو يكررها أثناء قيامه بأعماله اليومية؛ فلا ينتبه له أحد.
ويعزى الوسواس القهري إلى العديد من الأسباب، فهو ليس له سبب واحد بعينه كما أنّ له جوانب وراثية، ويمكنه أن يصيب كافة الأعمار من النوعين، ولكن الأشخاص الأكثر عرضة له هم الذين يهتمون بالنظافة اهتمام بالغ حتى يتطور الأمر ليصبح قهري، أو الذين يهتمون بالترتيب بصورة غريبة ليحافظوا على استقامة الأشياء، ويرى الكثير أنّ الوسواس مصدره الشيطان أو القرين الذي يملي عليك هذه الأفعال، خاصة فيما يتعلق بالشعائر الدينية كالوضوء والغسل والصلاة والصيام، وهناك من يصاب بالوسواس في القسَم أو في الطلاق، فيتردد في ذهنه أنه قد أقسم وعليه كفارة، أو أنه طلق زوجته وتتردد الفكرة في ذهنه حتى يترك زوجته من باب تجنب الوقوع في الحرام، وقد يترك الصلاة أو الصيام ليتوقف عنه الوسواس، ويعتقد أنّ هذا هو الحل الأمثل، ولكنه بذلك يزيد على نفسه الوساوس فتمتد إلى جوانب أخرى من حياته، وما لا يعرفه هو أنّ هذه الوساوس المتعلقة بالشعائر والعبادات هي أسهل الأنواع حلًا، فمدخل هذه الوسوسة يمكن سده بسهولة تامة، فالوسواس يأتي من باب التشكيك في العبادة، فيملي عليه أنّ هذا العمل لم يتم بصورة صحيحة وأن عليك إعادته لأنك قد تكون نسيت شيئًا في الصلاة وأنّ الله لن يقبلها منك هكذا! فيقوم الشخص بإعادتها مرارًا وتكرارًا في جلسة واحدة بالرغم من أنه يعلم تمامًا أنه قد قام بهذا العمل على الوجه الصحيح، حتى يصاب بالاكتئاب ويترك العبادة ليخلص نفسه من الوسواس.
وقد أرشدنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى التعامل مع الوساوس التي تأتي في الصلاة، ونهانا عن الاستماع لها، بل وأمرنا بطردها، فإذا أتى الوسواس لأحد في الصلاة وأخذ يملي عليه أنه قد أحدث في الصلاة عليه أن يستعيذ بالله ولا يستمع له مجددًا، ويعلم أنه ليس عليه أن يعيد صلاته إطلاقًا مهما تكرر الوسواس، وأكرر مجددًا مهما تكرر الوسواس، وهكذا في سائر الشعائر الأخرى، وجميع الأشياء التي تدخل فيها الوسوسة، فالأمر ليس صعبًا، فقط عليك أن تلتزم به لفترة يسيرة؛ وستجد أنها ستختفي بإذن الله وإلى الأبد.
أما من الناحية النفسية، فقد يتطلب الأمر بعض الاستشارات، خاصة إذا تعمق الوسواس في السلوك الشخصي وأصبح جزءًا من الروتين اليومي الذي يصعب التخلص منه، فهناك من لا يقوم بشعائر دينية لكي يستعيذ بالله! وهناك من لا يمتلك عزيمة للتخلص من الوسوسة ذاتيًا، أو أنّ نفسه ضعيفة، فهذا يمكنه الاستعانة بمعالج نفسي حتى يتخلص من هذا الأمر، حيث يعتبر العلاج السلوكي النفسي هو الأكثر فعالية لمرضى الوسواس القهري، فهو يركز على منعهم من الاستجابة للوساوس، أي كما في الطريقة السابقة ولكن هذه المرة بصورة إلزامية من قبل الطبيب.
كما أنّ هناك عقاقير طبية يمكن تناولها في بعض الحالات تحت اشراف الطبيب إذا لزم الأمر ذلك، وتعتبر الأدوية الأكثر فعالية في علاج حالات مرض الوسواس القهري هي مثبطات إعادة سحب مادة “السيروتونين” الاختيارية، وعادة ما يتم إضافة أدوية أخرى لتحسين التأثير الطبي وعلاج الأعراض المصاحبة مثل القلق النفسي. ويمكن توقع انخفاض قوة الأعراض بحوالي 40% إلى 95% مع العلاج، وقد تستغرق الأدوية من 6 إلى 12 أسبوعا لإظهار التأثير العلاجي الفعال. ويعتبر التأثير الأساسي لهذه الأدوية هو زيادة توافر مادة “السيروتونين” في خلايا المخ، ويؤدي هذا إلى تحسن حالة مرضي الوسواس القهري.
وتظل الحالة الأكثر سوءًا بين مرضى الوسواس القهري، هو عدم اقتناع الشخص المصاب بأنه يعاني من الوسواس، وإذا حاولت التحدث معه يرد عليك بأنه شخص معافًى تمامًا ولا يعاني من أي مشاكل، وأن ما يمر به هو مجرد شك خفيف لا أكثر، ويمكنه تدبر الأمر بنفسه ولا يحتاج لنصائح من شخص آخر، ويتهرب بالعديد من الطرق عندما تفتح معه هذا الباب من النقاش.
عافانا الله وإياكم.
فاصل 1
 ساهم في تطوير دليلي عبر البايبال
468x60
معلومات عن التدوينة الكاتب : Unknown بتاريخ : الاثنين، 8 يونيو 2015
المشاهدات :
عدد التعليقات: 0، للإبلاغ عن رابط معطوب اضغط هنا
250x300
تعليقات الفيس بوك
0 تعليقات بلوجر

من الرائع ان تشاركنا تجربتك ورأيك، من فضلك لا تستخدم أي كلمات خارجة، روابط لا علاقة لها بالموضوع لانه سيتم حذفها فوراً.
وتذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"

شكرا لتعليقك
مدونة دليلي
عرب ويب